وَ قَدْ أَعْيَتْ كُلَّ عَّلاَّمٍ بِمِلَّتِنْا
وَ دَاوُدِياً
وَ حَبْرَاً
ثُمَّ ... قِسِّيْسَا
أيـــــــوب
آخرة صبرى
عدى و فات
برعايتنا
مـــدونـــات
مواقع و عاجبانى
مزيكاتى
الأحد، نوفمبر ٢٦، ٢٠٠٦
يوميات ايوب ... سجيناً
تــحـذيـريحذر صاحب المدونة مرضى القلب ، والسكر ، والضغط ، والأعصاب ، ومن همدون سن 18 عاماً من قراءة هذه التدوينة"بطاقتك انت وهو"انطلقت هذه الصيحة فى الرابعة من فجريوم الأحد، وهكذا بدأت رحلة عذاب لمدة اربعة ايام ، لم تنل من جسدى بقدر مانالت من نفسى ... تذوقت فيها طعماً مريراً سمعتعنه كثيراً وتحدثت عنه كثيراً ... انه الظلم
لن اخوض كثيراً فى تفاصيل اجتهد اصدقائى بمنتهى الصدق فى توضيحها... فقط سأكتفى بما لم يعلمه احد وتوضيح بعض الصور من الداخل
" عادى ... كنا بنتمشى "
هذة الكلمة التى قالها اسد بهدوءه المعهود رداً على سؤال" كنتوا بتعملوا ايه؟" ... كانت كلمات اسد كافية لإشعال غضب ظابط مباحث قصر النيل الذى اصابته الاجراءات الأمنية المشددة اثر مرور موكب فرعون من وسط مدينة القاهرة بالضجر الشديد
" وماله ياسدى انتوا اتمشوا واحنا هنا طالع عين ابونا فى عز البرد ، معايا على القسم لما ايه حكاية بنتمشى دى "
" تبديد "هى الكلمة التى تفتق عنها ذهن كمبيوتر البحث الجنائى بقسم قصر النيل ، حملتها الىّ ابتسامة صفراء متشفية من امين الشرطة المعقد بالضآلة ... وحجزتنى فى غرفة مكتظة بالعشرات ممن صادفهم مزاج ظابط المباحث العكر ، احدهم يتلوى الماً طلباً لدورة المياة و امين الشرطة المعقد جلس على مكتبه رافعاً قدمية فى وقاحه يلهو بجهازه المحمول
" انا عواز حمام"امين الشرطة لايجيب
" يابية الساعة 6 الصبح وانا هنا من من 10 باليل والدنيا برد ...عاوز حمام"وامين الشرطة لا يجيب
" يابيه ؟؟ "الح عليها تحت وطأة الألم ، حتى اسكتته " اسكت بقى ينعن *** اهلك" .. قالها فى حقد ذلك المعقد
" امضى هنا "
فى السابعة صباحاً امرنى ظابط اخر بالتوقيع على محضر ، لم يعجبه اطلاقاً طلبى بقراءته، وكان من الطبيعى ان ارفض التوقيع على محضر معد مسبقاً على على طريقة س و ج كانت احدى الاجابات فيه كالآتى" ج :- ايوا انا معترف بأنى متهم بالتبديد فى القضية رقم ......... لسنة 2002و المحكوم فيها بسنة و غرامة 100 جنية "
- يعنى ايه تبديد
- يعنى تبديد منقولات زوجية
- انا ما اتجوزتش قبل كدا
- يبقى عهدة خزنة او مخزن
- ولا دى
- تطلع زى ما تطلع انت هتقرفنا ليه
رفضت التوقيع رغم التهديد الواضح وطلبت تليفون لكى اتصل بمحام
-تليفون ايه يا خفيف ... انت فاكرنا روم سيرفيز ؟؟ ... هاتمضى ولا لأ
- لأ
- مش لازم نمضيلك احنا
واودع اسمى فى نهاية المحضر فى برود
المال هو قانون محبس القسم المعروف بالتخشيبة، اكثر المجرمين هيمنةًَ بالداخل هو غالباً اعتاهم اجراماً ويطلق عليه اصطلاحاً "نوبطشى السجن" ... فراشه وثير مميز ... اكثر من هاتف محمول بجانبه ...
تشكيلة من جميع انواع المخدرات ... وعدد من المسجونين يخدمونه ... وعدد آخر شكل عصابة صغيرة ، يبطشون بكل من يخالف قانونه الخاص، وهو فى النهاية المسؤل امام ادارة السجن – بشكل غير رسمى – عن احوال السجن و المسجونين
- دقيقة فى المحمول 20 جنية
- فرشة للنوم 10 جنية
- غطاء للنوم 10 جنية
- الأكل والسجايراللى ييجوا من برا يجولى هنا الأول
- اللى ممعوش مايلزموش
- اللى مش عاجبه ينام فى الحمام
كانت هذه مجمل تعليمات النوبطشى،عن نفسى وبمنتهى الصراحة عجبنى ، فالحمام بالفعل كان ممتلىء
" خلوا المحام بتاعى يطلع جرى على الزقازيق "
كانت هذه الجملة التى مكنتنى جنيهاتى من نطقها فى المحمول فى الثامنة صباحاً لأحد اصدقائى المخلصين ، بعد ان افهمنى نوبطشى السجن ما هو المطلوب منى و " رسانى على الليلة " ، ونصحنى فى قلق
" انجزيا استاذ ... و إلا هايرحلوك"
أمام عربة الترحيلات قابلت وجه يعرفه كثيرون من الناشطين بوسط المدينة
- هاهاهاها .... هما سابوك ومشيوا
- المهم انهم مش هايسيبوك انت
وكانت هذه أشارة القلق الأولى
عربة الترحيلات القذرة اكتظت بخمسين متهماً من الجنسين وقوفاً على اكوام من القمامة و زجاجات امتلأت بالبول و روائح كريهة تزكم انوفنا، العربة سيئة التهوية ، ثلاث شبابيك فقط للتهوية مقاس 20 سم * 15 سم تغطيها جميعاً اسلاك غليظة على جانبى جدار العربة و تقلص مساحة الشباك الى النصف تقريباً ، فى منتصف ارض العربة توجد فتحة صنعها الصدىء تبعث الينا بجزء غير يسير من عادم السيارة ليزيدنا اختناقاً ويرفع حرارة الجو الى درجة غير محتملة
كنا قد سلسلنا فى قيود لامعة – كالابشات – استهوتنى دراسة الية عملها حتى اوقفتنى تلك العبارة المحفورة على القيد
Made in Taiwan
دارت بنا تلك العربة فى ضواحى القاهرة من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءاً، كانت الحاجه الى دورة المياة هى الملحة للجميع، وتوقفت العربة امام عدد من اقسام الشرطة ، تودع البعض لتعود بعد قليل تأخذهم، فى احد وقفات العربة سمعت صوت الشرقاوى ينادى بالخارج ، هرعت الى الشباك لأجد شرقاوى و جيمى و سيزار و اسد
- اكيد فى حاجه غلط يا شرقاوى
- ولا يهمك احنا كلنا معاك ، الدنيا كلها اتقلبت ، والميديا كلها بتتكلم
بعد العودة الى قسم قصر النيل ، هاتفت المحامى
- الحكم صحيح
- صحيح ازاى ؟؟؟
- دا بتاع قضية شركتك القديمة
- يابنى احنا مش استأنفنا فيها من اربع سنين و اخدنا براءة ؟؟
- اه ، فعلاً ، بس الظاهر انها مانزلتش فى كمبيوتر الوزارة
- طب والعمل؟؟؟
- انا انهاردا ما لحقتش اطلع شهادة بيانات بحكم البراءة، انما بكره هاعمل دا
- لازم الصبح بدرى، هايرحلونى الخليفة الصبح لازم تلحقنى
كانت ليلتى الأولى فى قسم قصر النيل طويلة بأكثر مما اتخيل، مهاتافات كثيرة اجريتها من داخل القسم ، اخى ، المحامى ، عدد من اصدقائى واخيراً ودائماً الشرقاوى الذى ابى الا ان يشاركنى برودة الليلة فقضاها حتى الصباح خارج القسم، علمت من الهاتف ان نورا يونس وحسام الحملاوى و اسد وسيزار وجيمى و واحمد عبد الغفار وندى و عدد من اصدقائى و اخرون و ثلاثة من المحامين خارج القسم
لم اتمكن من النوم تلك الليلة ، فكل نصف ساعة يفتح الباب لنجد مدير سهرة السجن يودع احدهم ،يأخذ احدهم ، يعطى نوبطشى السجن بكمية من المخدرات او كروت شحن المحمول ، او ليصيح بأسمى ليأخذ منى بعض البيانات الشخصية يلقيها فى ورقة ثم يغلق باب السجن مسرعاً او يعطينى بعض الأكل والسجائر الذى يرسله الى زملائى بالخارج
- خد ياسيدى ... مزتين زى اللوز باعتينلك الحاجات دىكان لزاماً علينا جميعاً ان نستيقظ و نقف انتباه وندير وجوهنا للحائط فى كل مرة يأتينا مدير سهرة السجن، كانت هذه تعليمات نوبطشىالسجن، التى لا يجوز مخالفتها بأى حال
- هو انت ليه بتوقفنا كل ما الراجل دا يدخل
- يعنى الراجل كتر خيرة سهران ، يصح احنا ننام ... اصل انت مش فاهم ، الراجل بيمشيلنا امورنا ، لازم نرسمه قدام البيه المأمور
- يعنى ايه ما بتناموش ؟؟
- لا يا بيه نوم ايه احنا بنصرصر لمؤخذا
- برشام ؟؟
- برشام ايه يابية .. الف بعد الشر عليك من المرض .. اسمها صراصير .. اسمع اللى بقولك عليه وخدلك صرصار وانسى النوم خالص
كانت اعصابى تعلن انها الساعة الخمسون التى اقضيها بلا نوم ، لكن على اى الأحوال كانت يقظتى افضل الف مرة من تناول ... صرصار
فى الرابعة من صباح يوم الأثنين استدعانى مدير سهرة السجن خارج التخشيبة بناءاً على امر احد الظباط
- هو دا الواد بتاع كفاية ؟؟
- ايوا يا باشا هو
وكانت هذه الاشارة الثانية
اخذنى الظابط الى نائب المأمور حيث وجدت اخى و احد الظباط من اقربائى ، يبدو ان محاولات مستميته تمت لأنجاز هذه الزيارة
- انتوا هاتوا ورقة البراءة من الكومبيوتر وقدموها بكرا الصبح لقسم الخليفة ، واحنا هانطلعه من هناك
- من الخليفة ؟؟
- ايوا , ما هو انتوا مش هاتلحقوه هنا، هايكون مشى
- طيب ما تعملوا اى حاجه علشان يرجع هنا وما يترحلش ، احنا ظباط زى بعض وزملاء ، وانا عارف ان دى فى ايدك يا باشا
- اوعدك ياباشا اننا نعمل اللى نقدر عليه ، حتى لو جبتوا الورقة وهو فى عربية الترحيله احنا هانتصرف وهانجيبه باللاسلكى
- دا عشمنا يا باشا
- عيب ياباشا دا اقل واجب
فى التاسعة صباحاً و بلا نوم انطلقت بنا نفس العربة القذرة تدور بنا فى شوارع القاهرة ، اسعدنى كثيراً قرار الافراج عن عم عبد الهادى، ذلك النوبى الطيب الذى قضى 14 يوماً ، اتهمه كمبيوتر الداخلية ايضاً بتسع قضايا شيكات، وكانت مدة ال 14 يوم كافية فيما يبدو لأن يقتنع الكومبيوتر بصراخ عم عبد الهادى بأن الأسم غلط وانه ليس المقصود، ثلاثة من الشباب فى عمر الزهور آثرتنى دموعهم اثر ادانتهم فى نيابة عابدين بالتحرش الجنسى ، ويبدو ان الداخلية وجدت اخيراً تهمة سهلة الاثبات تلصقها بالمواطنين حتى تصيح زهواً فى وجه فرعون " ان كله تمام يا فندم"
اودعتنى العربة فى قسم الخليفة فى تمام الثالثة من مساء يوم الإثنين، تسائلت على باب العربة فى بلاهه
- حد جاب الورقة بتاعه الكومبيوتر
- ماتقلقش يا ابنى اول ما هاتجي هانبعت نجيبك
فى داخل قسم الخليقة ... مجرم اخر يقوم بدور النوبطشى ومدير سجن اخر يحمل المزيد من العقد وكالعادة دوماً صراصير اخرى، غير انه لا توجد تخشيبة ... هنا يسمى ... السجن
عنبر سجن الترحيلات متسع و جيد التهويه لكنه مكتظ باكثر من 300 سجين، مما يجعل الحصول على مساحة مناسبة للجلوس منحة عظيمة، لم اشغل بالى كثيراً بالنوم فكنت اعتقد انى سوف اخرج فى اى وقت، فى الخامسة مساءاً كنت قد طويت الورقة العاشرة فى يد مدير السجن، دون ان يأتينى رد من الخارج، و لم تكن الا دقائق بعد الخامسة حتى احضر الىّ كميات مهولة من الطعام والسجائر والمشروبات الغازية- انت كنت بتشتغل وزير سابق ؟؟
- اشمعنى ؟؟
- امة محمد برا علشانك .. والدنيا مقلوبة .. والسجن مشدودوهمس وهو يتلفت ان ورقة وسط الطعام تنتظرنى ، وان من ارسلوها ينتظرون الرد، فتحت الورقة لأجد الشرقاوى ونورا يونس واسدوجيمى واخرون يخبروننى بأن قسم الخليفة لم يأخذ الورقة وانهم بصدد تقديمها الى نيابة قصر النيل المسائية ، كانت هذه الورقة اعلان بأنى سوف ابيت ليلتى فى سجن ترحيلات الخليفة، لكنها ومع كل ذلك رفعت من روحى المعنوية فقد شعرت بمساندة عظيمة من الخارج، هنا تذكرت كلمات الشرقاوى " كله هيعدى" وامتزج حزنى بقهرى بشجنى بتأثرى فصنعوا جميعاً دمعة كبيرة حاولت جاهداً الا تسقط على الورقة التى بدأتها ب" الحمد لله ... انا كالعادة تمااااااااام "فى السابعة جائنى الظابط المسؤل بناء على الكثير من الالحاح لمدير السجن
- خير عاوز ايه ؟؟
- عاوز اطلع انا معايا روقة براءة
- ماينفعش يا ابنى هنا جهة ترحيل، مش تحقيق ولا تنفيذ
- بس ظباط قسم قصر النيل اكدوا اننا نقدم الورقة هنا
- مش صحيح ، الكلام دا وانت هناك، لكن مادام جيت هنا يبقى انت لازم تروح الزقازيق ومنها على بلبيس ، وهناك ابقى قدم الورق اللى انت عاوزه
وكانت هذه اشارة القلق الثالثة
مادار بينى وبين ظابط السجن ، لخصه لى نوبطشى السجن حين اومأ برأسه فى النهاية وقال بتفهم الخبير " دول عملوا عليك كومبينة يامعلم" ولم اكن احتاج لأكثر من هذا حتى تنهار كل مقاومة للنوم فى تمام الثامنة ، بعد 66 ساعة لم يغفل لى فيها جفن ، فأخذت اغط فى نوم عميق من الوضع جالساً غير عابىء بالصراخ او بالروائح الكريهة او بالحشرات التى تزاحمنا السجن
ثلاث ساعات فقط هى ما اتيح لى ان انام، فقد قررت ادراة سجن ترحيلات الخليفة فى تمام الحادية عشرة من منتصف ليل يوم الأثنين ان تنقلنا من عنبر استقبال الترحيلات الى اخر يسمونه عنبر مستيدم، يكتظ هو الاخر بالمئات ، حتى اصبح عدد نزلاء العنبر المستيدم 657 سجيناً، حسب التمام الذى قدمة مدير السجن للسادة الظباط
- متى يأتى القطار ؟؟
- انت مترحل فين ؟؟
- الشرقية
- اه ... دا خط شرق ... هو انهاردا ايه ؟؟
- الاثنين
- لا لسه بدرى ... قدامك ليوم الأربعاء انشاء الله ، القطر بيطلع الاربع باليل الساعة واحدة ، تصبح الخميس فى هناك انشاء الله
سأمضى هنا يومين ، على اذن ان اتعايش ما استطعت، الحياة على اى الاحوال لابد من ان تسير، فى اقل من دقائق كنت قد تعرفت على رفاق الفراش، كنا ثمانية على غطاء واحد افترشناه على الأرض اربعة مقابل اربعة جلوساً، قضينا الليلة فى احاديث طويلة عن كل شىء ، اخذ احدهم يغنى بصوت اجش هادىء اغنية شعبية حزينة تحدث فيها عن الصبر و الظلم و مرارة ضياع الاحلام ، حتى خنقته الدموع وعلانا جميعاً التأثر ، عندها تسائلت عن ماذا يجرى لو اننى غنيت لهم " البحر بيضحك ليه " للشيخ امام ؟؟ .. عندها ادركت كم نحن مبتعدون
صدام حسين ... هو البطل الملحمى الاول، الجميع هنا يتحدث عن بطولاته الخارقة و كيف انه حتماً سيفلت من بين يد الامريكان وسيعود ليؤدب الجميع
" الله يخرب بيتك يا مبارك "صيحة اطلقها احد السجناء، بعد ان تحدث لساعات عن بطولاته فى حرب اكتوبر، وكيف قضى شهور فى معسكر الأسرى المصريين فىداخل اسرائيل !!
الجميع يتحدثون ... يتناولون الصرصار تلو الصرصار، بعد ان اعلن النوبطشى انه لا نوم الليلة، لا لشىء سوى انه شخصياً لن ينام واخذ يصيح" اللى هينام هاشبحه"
- مافيش عندك واد صنايعى ؟؟
- فيه طبعاً ... عندك الواد الفت
- صنايعى كويس؟؟
- على ضمانتى
بعد تلك المحادثة بدقائق ، قام المدعو الفت من تحت الغطاء وهو يباعد بين قدميه، وذهب مسرعاً لدورة المياة يغتسل من دناسة الدقائق التى قضاها مع النوبطشى تحت غطاء واحد
فى السابعة من صباح الثلاثاء كنت استعد للنوم ، لكن اخباراُ حملها الينا مدير السجن بأنه نظراً للزحام الشديد ، قررت ادارة الترحيلات توفير رحلات قطار اضافيه ثم صاح " اللى هايركبوا قطر الشرق ... بنها ... الزقازيق ... الاسماعيلية .. بورسعيد ... يجهزوا بسرعة ، هانتحرك الساعة تسعة "
- الو ... ايوا ياشرقاوى ، احنا هانركب قطر تسعة ، هاوصل الزقازيق الساعة 12 الظهر ... خلى الناس هنالك تجهز
- ماتقلقش ... انا جاى
- لا خليك انت عندك ... اتصل بس بالشرقية وخلى المحامى يستنانى على المحطه
القطار كان اكثر مراحل الرحلة عناءاً ، كنا نقف متلاصقين فى عربات ضيقة وسيئة التهوية ، وكان احد الظباط يواسينا " استحملواخمسة لغاية بنها ، والعمليه هاتخف "
شبرا ... بنها ... قليوب ... طوخ ... منيا القمح ... واخيراً الزقازيق ، اشعر بالفة اكثر عند وصولى الى الزقازيق ، وانى سوف اكون اكثر تفاهماً مع المحيط من اى مكان اخر ، عربة ترحيلات اقذر من شقيقتها بقصر النيل تأخذنا الى مديرية امن الزقازيق لتتم اعادة توزيعنا كل الى مركزه، من الزقازيق الى بلبيس رافقنى رجل شرطة يلبس ملابس مدنية ، على غير المعتاد ركب معنا العربة و اشار الى من يجلس بجانبى وجلس مكانه، ولم يتكلم معى ، علمت بعد وصولى الى مركز الشرطة انه مندوب من امن الدولة
وكانت هذه اشارة القلق الرابعة
كنت داخل مركز شرطة مدينة بلبيس فى الرابعة مساء يوم الثلاثاء، اثناء دخولى رأيت ابوح يحاول الوصول الى والشرطة تمنعه وكنت اعلم ان مركز شرطة مدينة بلبيس تم اعادة بناؤه بعد التوسعه، فخامة الرخام اللامع والزجاج المصقول تملىء المكان، لكن هالنى ما رأيته تخشيبة قسم بلبيس، مساحة التخشيبة ثلاثة امتار فى اربعة، لا تهوية مطلقاً، لا اضائة، حشرات لم اراها من قبل ، دورة المياه بلا ساتر ورؤية من فيها متاحه للجميع، فى ركن الغرفة كومة قمامة يجلس عليها شخصان بالفعل، اصحاب الخبرة يستعملون مرهم طبى قال لى احدهم انه لمقاومة ... الجربكنت قد اعتد ثالوث السجون المصرية ، النوبطشى .. مدير السجن .. الصراصير ، لكنى لم اعبىء بكل هذا ، فالمفترض انى سوف اخرج خلال دقائق، لم يعد هناك سبب لأستبقائى، اوراق اتتنى من الخارج تؤكد على ذلك، وان الجميع فى انتظار المأمور للتوقيع على قرار الإفراج،
فى الحادية عشرة قبل منتصف الليل دخل التخشيبة فوج جديد ، هناك اخبار بأن هذه الايام هى حملة السنوية للإنضباط ، حكايات كثيرة عن الظبط العشوائى ، واستدعاء مسجلين خطر ليسددوا خانات جرائم صغيرة مثل حيازة سلاح ابيض ، كنوع من الخدمة لمركز الشرطة على ان يتم الافراج عنهم من النيابة ، فى الثانية صباحاً رأيت اول ظابط فى مركز الشرطة، كان يتمم على التخشيبة والحبس
- هو انا اطلع امتى ؟؟
- مش عارف
- انا معايا جوابين افراج واحد من النيابة و التانى من المحكمة
- لا اطمن .. انت مشرفنا هنا ، قول شهر .. اتنين
وكانت هذه اشارة القلق الخامسة
تأتينى من الخارج اخبار بأنى سوف ابقى للغد لتعذر انهاء اوراقى،يبدو ان المأمور أثقل فى الغذاء، لم انم هذه الليلة ايضاً، اكاد اصاب بالإختناق، فقد كان تمام التخشيبة 58 سجين، لكن الاوضاع فى الصباح كانت افضل حالاً عندما رحل نصف السجناء للعرض على النيابة
ظهراُ ، يدخل الحبس خمسة صبية صغار فى هيئة ريفية، متهمين بمعاكسة فتيات المدرسة الثانوية الصناعية، المدهش انهم عصرأً تم ارغامهم امامنا جميعاًَ على التوقيع على محاضر حيازة اسلحة بيضاء، اتى بها احد امناء الشرطة، بدا متأثراً لبكائهم فقال مطمئناً" ماتخافوش .. هاتطلعوا من النيابة "
فى الخامسة ، تأتينى ورقة مع الطعام هذا نصها
" تم تقديم جميع الاوراق الى مأمور القسم ، اعلم ان موقفك سليم جنائياً وقانونياً ، ولا داعى لأحتجازك، المفروض انك تخرج حالاً ، لكن المطلوب عرضك على امن الدولة، علاء و مالك و الشرقاوى والجميع هنا يتابعون الموقف، سنتصرف على هذا الأساس، ونرجوا منك انت ايضاً ذلك
اسد"
انها الألعاب النارية اذن ، هذا وقتها، الآن تبدد كل القلق، شعوراً قوياُ بالتحدى والاصرار يجتاحنى، بدأت افكر فى تخزين اكبر كمية طعام لأتناولها استعداداً للإضراب عن الطعام، وجلست انتظر اول ظابط، لكى اشتبك معه بأى وسيلة ثم ابلغه اضرابى عن الطعام لأحتجازى بشكل غير رسمى
لم ارى اى ظابط قبل منتصف الليل عند تمام مبيت التخشيبة- انا هنا ليه
- وانا ايش عرفنى ... اتفضل ادخل على تخشيبتك
- مش داخل الا لما اعرف انا هنا ليه
- نعم انت بتقول ايه
- زى ما سمعت ، مش هادخل الا لما اعرف انا هنا ليه ، انت معاك ورق مكتوب فيه انا هنا ليه.. مش انت مدير السجن ؟؟ اتفضل قولى انا هنا ليه ؟؟ عرض نيابة ولا جلسة محكمة ولا ذمة تحقيق ولا بنفذ حكم ؟؟؟
- طب ادخل دلوقتى ربنا يهديك ساعة وهاجى اخرجك
- اسف .. مش هادخل انا معاك هنا ، واعمل اللى انت عاوزه ، انا معايا ناس برا مستنينى ، اتصرفوا معاهم انتوا بقى
- طيب خليك هنا على اما اجيلك
فى الواحدة تماماً ، بعد 108 ساعة لم انم فيها الا ثلاث ساعات فقط اتى ليستدعينى الى مكتب امن الدولة ، فى طريقى حاولت ان اتسلح بكل ما اوتيت من يقظه، وحاولت طرد كل قصص الرعب من رأسى، حتى وجدت نفسى امام اثنان من ظباط امن الدولة فى مكتب فخم، بدأ احدهم" مش كفاية بقى ؟؟ "
وانهاها نفس الشخص فى الثالثة صباحا" انت باين عليك تعبان ومرهق، روح دلوقتى وهانبقى نتصل بيك علشان نكمل بعدين"
ساعة اخرى بين مكتب المأمور الى رئيس المباحث الى البحث الجنائى مجدداً، استطعت ان ارى فيها بوضوح تام ولدقائق طويلة ورقة الافراج وقد كللتها ثلاث تأشيرات بالقلم الاحمر
" لا يفرج عنه الا بعد العرض على امن الدولة ببلبيس "اعلى يمين الورقة
" لا يفرج عنه الا بعد العرض على امن الدولة بالزقازيق"اعلى يسار الورقة
" لا يفرج عنه الا بعد العرض على امن الدولة بالقاهرة"اسفل الورقة
عند خروجى تأكدت من ان التحضير للألعاب النارية قد اتى ثماره، عندما علمت ان القاهرة والزقازيق و بلبيس يحضرون مفاجأة لأمن الدولة فى الصباح، لم اذهب الى منزلى حتى اذعت خبر اطلاق سراحى ، ولتؤجل الألعاب النارية لوقت لاحق
شرقاوى ... نورا .. جيمى ... سيزار ... اسد ...حسام ... مالك ... علاء ... ابوح ... درويش ... وائل .... بسمة ... احمد عبد الغفار ... ندى ... حفصة ...دماغ ماك ... وكل من هاتفنى او راسلنى اواهتم بأمرى .... اعلموا انى شكرت الله كثيراً كما لم اشكره من قبل ، لأنه خلقكم فى الحياةوالى كل من تكلف عناء قراءة هذه التدوينة ، اهديك نصائحى الأخيرةاحرص على ان توطد علاقتك بكمبيوتر البحث الجنائى بوزارة الداخليةاحرص ان يكون لك اصدقاء كأصدقائىو اخيراً لا تنسى ان ترتدى ملابس ثقيلة اذا كنت ستغادر منزل شرقاوى فى الرابعة فجراً
كتبها ايــــــــــــــــــوب :: ١٠:٥٧ ص :: 72 نيران صديقة : ------------------o0o------------------